سياسة

كيف صمدت أفريقيا ضد كورونا

بينما غرق مستعمروها السابقون!

د. نجاح زيدان

انتظر العالم أن تصابَ القارة الأفريقية بكارثة صحية بسبب كورونا، لكن ها هي أفريقيا اليوم وبعد مرور أكثر من شهرين على الجائحة تقلب كل التوقعات وتقاوم الفيروس أكثر بكثير من الدول المتقدمة كأوروبا والولايات المتحدة.

رغم أن سكان أفريقيا يمثلون ١٧٪ من سكان العالم الا ان عدد المصابين بالفيروس لا يتجاوز ١٫١٪ من المرضى و٠٫٧٪ من الوفيات. ففي مصر٦١٩٣ إصابة بينها ٤١٥ حالة وفاة، وفي المغرب ٤٨٨٠ إصابة منها ١٧٤ حالة وفاة. أما الجزائر فقد بلغ عدد الإصابات ٤٢٩٥ بينها ٤٥٩ حالة وفاة وتعتبر جنوب أفريقيا بعدد مصابيها ٦٣٣٦ البلد الأكثر إصابة في أفريقيا.

العدد الكلي للإصابات في أفريقيا ٣٧٠٠٠ إصابة بينما باقي العالم أكثر من ٣٫٢ مليون إصابة.

فما هي الأسباب التي جنبت القارة الأفريقية من كارثة انتشار الفيروس؟

أولًا: إن أول ضحايا الفيروس هم كبار السن وفي القارة الأفريقية متوسط العمر لا يتجاوز ١٩٫٤ سنة حيث ستون بالمئة من السكان تحت سن ٢٥ عامًا. في المقابل في إيطاليا مثلًا ٢٣٫١من السكان فوق ٦٥ عاما، هذه النسبة تبلغ فقط ٥٪ من السكان في القارة الافريقية، بالإضافة الى انه في أوروبا فإن الغالبية العظمى من المسنين يقضون بقية حياتهم في دور العجزة مما يسهل انتشار الفيروس، بينما في أفريقيا فإن المسن غالبا ما يتواجد مع أسرته.

ثانيا: الحركة السياحية من والى أفريقيا قليلة مقارنة بأوروبا وأمريكا. فمن بين خمسين مطارا الاكثر حركة في العالم لا يوجد الا مطار واحد أفريقي هو مطار جوهانسبورغ.

ثالثًا: المناعة: في القارة الأفريقية هناك الكثير من الأمراض المستوطنة (الملاريا، الحمى الصفراء، التيفوئيد، السل، إلخ) مما يجعل الجهاز المناعي عند السكان في حالة تأهب دائم.

بالإضافة الى ما تقدّم، فإن الكثير من اللقاحات التي تم الاستغناء عنها في الدول المتقدمة نتيجة انقراض المرض نسبيا، مازال البرنامج العالمي للقاحات يطبقها بشكل حملات منتظمة في أفريقيا مثل لقاح السل.

رابعًا: لوحظ أن الأشخاص المصابين بأمراض مزمنة مثل (البدانة والأمراض القلبية) يصابون بأشكال مرضية خطيرة من فيروس كورونا. بينما في أفريقيا نسبة البدانة ضئيلة جدًا وكذلك الأمراض القلبية الناتجة عن الشيخوخة.

خامسا: إن العوامل المناخية الافريقية (ارتفاع الحرارة والجو الجاف) تشكل عاملا إيجابيا في عدم انتشار الأمراض التنفسية (الربو، التهاب القصبات المزمن الانسدادي، إلخ)

كل هذه الأسباب مجتمعة شكلت حاجزا دفاعيًا في وجه الفيروس مع العلم ان بعض مختصي الجائحة يتوقعون انها لم تبلغ ذروتها بعد ويتوقعون بلوغها في أيلول/ سبتمبر المقبل.

لحسن الحظ أن الفيروس لم ينتشر بشكل كبير في القارة الأفريقية ولكن انعكاسات الجائحة على سكانها ملموسة اقتصاديا، فإن عدد الأشخاص المهددين بالمجاعة في أفريقيا الغربية أصبح ثلاثة أضعاف في الأشهر الثلاثة الأخيرة حسب تصريحات المنظمة العالمية لمكافحة المجاعة، بالإضافة الى توقف حملات التلقيح ضد الأمراض السارية مثل الحصبة وشلل الأطفال والسعال الديكي.

القارة السمراء التي اعتُبرت تاريخيا اهراءات العالم لخيراتها، غالبا ما نُهبت واحتُلت واستُعمرت، لعل كورونا رحمها هذه المرة أكثر من مستعمريها السابقين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق