سلايدرسياسة

الجيش السودانيّ بين الذبح والانتحار

شوقي بدري

قرأت اليوم في الراكوبة وشاهدت صورة شاب سوري تم اعتقاله وهو يرتدي ملابس الجيش السوداني، الهامل، ومعه سودانيون وهو يقوم بإيقاف العربات وتفتيشها. لم استغرب لأن الجيش السوداني قد سقم في 1955 واصيب بكل الامراض مثل الفساد الفوضى، الإنكشارية الخ ومات.

ارتكب الجيش السوداني كثيرا من الغلطات المميتة منها استيعاب ضباط ولدوا عاشوا، درسوا وتخرجوا من الكلية الحربية في مصر وأدوا القسم امام الملك فاروق الذي كان تحت النفوذ البريطاني، الا انه نصب نفسه ملكا على مصر والسودان، والجيش البريطاني يسيطر عليه وعلى بلده. وقد ترك الجيش البريطاني الاراضي المصرية بعد الجلاء من السودان بفترة. ويقول المصريون …. السودان بتاعنا!!

من أشهر الضباط الذين زرعتهم مصر كان اولاد عبد الحليم محمد واحمد   وقد شاركا في محاولة كبيدة. وحسب القانون العسكري ان الضابط الذي يترك الجيش لسنتين لا يحق له الرجوع للجيش. الا انهما ارجعا للجيش في مايو بعد 12 سنة، كما ارجع صديقي الحميم محمد محجوب عثمان شقيق عبد الخالق، والحق بدفعته بعد عشرة سنوات.  منهم سعد بحر، محمد محجوب، المصري، الذي هرب بفلوس الحكومة السودانية   ومات في القاهرة عندما انهدت شقته في زلزال التسعينات. واحمد محمد الحسن الذي حكم على عبد الخالق والآخرين بالإعدام بعد ان رفض المقبول وبابكر عبد المجيد على طه وآخرون محاكمة بابكر النور وفاروق حمنا الله بالإعدام وطردا من الجيش في وقت كان المعتقلون المدنيون يذهب بهم الى السفارة المصرية للمعاينة قبل تحديد مصيرهم.  كان هنالك العشرات من الضباط الذي التحقوا بالجيش فقط لان اصولهم سودانية. ولم يحتاجوا لامتحان معادلة كما يحدث للمحامين، الاطباء الخ. أولاد عبد الحليم دخلا الكلية الحربية المصرية التي كانت مخصصة في اغلب الاحيان لأبناء الذوات. وسبب دخولهم الجيش ان والدهم كان يعمل في منزل حيدر باشا قائد الجيش المصري لفترة طويلة. حيدر باشا مع الملك فاروق من اشتروا الخردة ومخلفات الحرب العالمية لمحاربة اسرائيل. كانت بعض قاذفات طياراتهم عبارة عن طائرات تطير على ارتفع منخفض وتلقي بقنابل عن طريق فتحة في ارضية الطائرة.

العقيد احمد محمد الحسن اظهر لؤمه وتحيزه. فقد سأل عبد الخالق طيب الله ثراه في المحاكمة الصورية ….. ماذا قدمت لشعبك؟ وهذا شيء لأدخل له بالمحاكمة ويكشف تحيزه ضد المتهم. ورد عبد الخالق بهدوء الوعي … ما استطعت. وكان يحث عبد الخالق …. خلصنا. نفس هذا المجرم الذي رجع لوطنه ومات في مصر كان يستفز الضابط محمد جبارة طيب الله ثراه …… انت يا قدع اتلت ولا ما اتلتيش؟ رد علية محمد جبارة ساخرا من لهجته المصرية …. اتلتش.

كل الجيوش العربية وقتها في المنطقة لم تزد عن 55 ألف جندي. وهذه الجيوش لم تكون للحرب ولكن لحماية الانظمة.  وكان عند اليهود 100 ألف مسلح بعضهم قد خدم في جيوش اوربية مثل بن قوريون وابا ايبان عملا في الجيش البريطاني. بن قوريون، الاجنبي، رئيس اسرائيلي ويطلق اسمه على مطار تل ابيب. الجيش السوداني كان الجيش الاكثر انضباطا تمرسا على الحرب وشجاعة، ولهذا كان يقذفون به في الاماكن الصعبة مثل نظافة القدس من جنود المظلات اليهود بقيادة البطل زاهر سرور الساداتي طيب الله ثراه.

وقد كتب البطل زاهر سرور عن خيانة المصريين لهم وادي هذا لقتل جنوده وتم اعتقاله وفي جسده رصاصتان. بعد احتلال الموقع كان من المفروض ان يلحق بهم المصريون الا انهم لم يلحقوا بهم. عاد اليهود ومعهم دبابة. مات السودانيون واصابعهم على التتك او الزناد كعادة السودانيين. كما اشتهر رئيس جمال عبد الناصر ومن دوخ اليهود وعرف بضبع الفلوجة العميد السوداني سيد طه.

حارب الجيش السوداني في الجبهة الشرقية أجلوا الطليان من كسلا وحرروا اثيوبيا هزموا الطليان. كما شاركوا بطريقة مشرفة في ليبيا ضد الالمان والطليان.  وتخندقوا وصاروا على استعداد لقتال الحلفاء وضد استباحة المدينة الليبية. وتراجع جنود الحلفاء. وقام الشاويش عوض حامل الرقم 12080 بقتل ميجر بريطاني برصاصتين لأخذه عروسا ليبية من الحفل الى خيمته لاغتصابها. والضابط الايطالي كان يضع قبعته خارج منزل الليبي لينام مع زوجته. ومن تعدي على الضابط ثملت عيناه. ابناء واحفاد من ثملت اعينهم كانوا يفتخرون بهذا. وكان الليبيون العجائز يذكرون لنا هذا ويعاملون السودانيين باحترام. واليوم حدث ولا حرج.

اول من نفذ اوامر المخابرات المصرية كان الضابط كبيدة وهذا في 1957. ولم ينجح الانقلاب لان الجيش بعد سنة من الاستقلال كان لا يزال منضبطا. أطلق سراح كبيدة بعد اكتوبر 1964. اليوم لا يوجد جيش انهم قوات احتلال ومرتزقة، يتعاملون مع الشعب السوداني كرهينة او شعب مستعمر.

إذا سألت أي جنرال اليوم في الجيش عند عدد افراد الجيش او القوات المسلحة لا يستطيع ان يعطيك رقما، لأنه لا يعرف. كما لا يعرف اليوم ما هو المقصود بالقوات المسلحة. حميدتي يقول ببساطة الوالد الذي سيحضر اطفاله من دار الحضانة والمدارس، بانه سيسترجع عشرة ألف من المرتزقة السودانيين من اليمن؟ هذا يعني جزء من مرتزقة اليمن.  ماذا هو العدد الكلي …. ولا حمدو في بطنه؟ وكيف ولمن تدفع فلوس الدم؟ هل بقي هنالك جيش؟

طبيب اسناني الدكتور ميرهولم تأخر بعد خروج المريض الاخير. اعتذر لي لأنه قد خلع ضرسا للمريض. وحسب القانون من المفروض ان يعطي ما يعتبر شهادة وفاة بالوقت المحدد للضرس او اى سن قبل الانتقال للشخص الثاني حتى لا ينسى. فكل سن مسجل.  البعض يعرفون عدد اسنان المواطنين والمقيمين. وجيشنا لا يعرف عدد جنوده!!

بعد يوليو 1971 تم اعتقال الجنرال   رفيق وصديق النميري مبارك رحمة في جوبا، وأرسل الى الخرطوم. كان الجنود يقومون بتوجيه الاساءة له ويطلقون الرصاص تحت اقدامه. وعندما عرف النميري ما حدث لصديقه. اعتذر له وقال له انه يمكن ان يعود الى الجيش. الرد كان ….. جيش شنو ياجعفر. هو فضل فيها جيش. رفض مبارك رحمة الرجوع الى الجيش الذي كان يحبه وكان كل من عمل معه يكن له الكثير من الود والاحترام. مبارك رحمة صار سفيرا في براغ وخلفة الاخ الضابط الرشيد ابو شامة. وقتها كان بعض رجال الصف مثل احيمر وحسب الله نوقا لا يحيون كبار الضباط لأنهم من ارجع نميري الى السلطة عندما جبن الكبار حسب فهمهم. وكانوا يطالبون بإعطائهم علامات حمراء مثل رجال مجلس الثورة. بل لقد رافقوا نميري في رحلاته الخارجية. انتهت اسطورة تلك المجموعة بمحاولة انقلاب شامبي واعدامه في وادي الحمار.

المهزلة بدأت عندما طلب زميل الطفولة زين العابدين محمد احمد عبد القادر الذي كان اصغر رجال مايو من العميد سيد العمدة دفعة نميري وصديقه ومن اواه عندما كان مطرودا من الجيش ان يحييه لأنه من رجال مجلس الثورة، واشار الى العلامات الحمراء. قال له سيد العمدة. تلقاها في المشمش، احيل سيد العمدة والكثيرون الى المعاش. المصريون اقالوا الكثير من الضباط الشباب الذين لم يعجبونهم او لأسباب كيدية. واتوا بأشياء جديدة من المخابرات المصرية للطرد من الجيش،

مثل عدم الاتزان العاطفي، سلم لي على الجيش!

اخطأت الحكومة الانتقالية في 1955 لأنها رفضت ان تستمع الى أحد كبار الضباط وهو عوض سالم الذي حذر من نقل القوات الجنوبية الى الشمال. وعندما لم يستمعوا لرأيه قام بنقل ابنه الضابط الى الشمال. وعندما صدرت الوامر الى الجنود الجنوبيين بالتحرك الى البواخر في طريقهم الى الشمال رفضوا أطلق القائد الرصاص على رأس سائقه الجنوبي. وبدأت المذابح ضد الشماليين في توريت بواسطة اللاتوكا، اتي الجيش. وكان الشعور العام انهم سيغسلون العار وليس كجيش وطني لا يفرق بين الجنوبي والشمالي. واتهموا الضابط عوض سالم بعلمه بالتمرد لأن والدته جنوبية. والامر لم يكن يحتاج لدرس عصر بعد مذبحة انزارا بواسطة الجيش.

تظاهر الجنوبيون في مشروع ومصنع انزارا للغزل ولهم كل الحق. طرد الشماليون الذين استلموا ادارة المشروع بعد السودنة 300 عامل وموظف واتوا باهلهم من الشمال بدلا عنهم. تظاهر العمال بطريقة سلمية تدخل الجيش وتم إطلاق النار تحت اوامر الملازم المقبول على المتظاهرين. استعمل مدفع رشاش. شارك تاجران بإطلاق الرصاص وهما محمد على وعباس حسون أحدهم استخدم بندقية لصيد الفيل. ولم يقدما للمحاكمة. هذا هو تقرير اللجنة التي حققت في مذبحة انزار في يوليو ومذبحة توريت حدثت عند اصدار الاوامر في سبتمبر. مات 500 من الشماليين وألف من الجنوبيين. ِارتكب بعض الجنوبي في اماكن معزولة فظائع ضد اطفال نساء ومدنيين لا تغتفر. الا ان الشمال ادان كل الجنوب. ومساحة الجنوب تعادل مساحة كل مصر. تخيل ان تدين الكنوز في اسيوط بسبب جرائم في دمياط!!

البروفسر عبد الله الطيب الذي من المفروض ان يكون عالما متزنا، يتكلم عن غسل العار. ويقصد بفتى الدامر ليث الغابة الشهما باللواء احمد عبد الوهاب.

في قصيدته تمثال مادنجو

ايا تمثال مادنجو الذي ندعوه مرجانا

وفي وجهك ذا الجامد الخامد شيطانا

واشباهك قد ثاروا على قومي بركانا

فهل تبكي مع الباكين من مصرع قتلانا

تذكرنا النذير الفيضي لو تنفع ذكرانا

وقد شقت دروع الصبر من طعنة مولانا

وحرق الفاضل الباسل وسط الزنج اشجانا

ويواصل

الا حي فتي الدامر ليث الغابة الشهما

وفتيان الدفاع الغاسلين العار والضيما

تبرجن ما شئتن ان النصر قد لاحا

وحاكين حمام الطلح اذ رجع نواحا

فكم تبكين من أبلج طلق كان وضاحا

وقد ساءك مولانا قتيل الزنج اذ طاحا

وقد لاقي النذير السمح دهر السوء فاجتاحا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق