مجتمع

الفيلسوف أحمد برقاوي: كيف يمكن للفلسفة أن تؤسس للنهضة الآن

خديجة منصور

في إطار أنشطتها الثقافية نظمت جمعية مينيرفا للبحث الفلسفي محاضرة فلسفية قيمة على صفحتها الاجتماعية “الفايسبوك” الأسبوع الماضي قدمها الفيلسوف “أحمد برقاوي بعنوان الفلسفة والنهضة، استهل محاضرته بالحديث عن أسئلة مرتبطة بالفلسفة والنهضة، ومؤكدا أنه لا يقصد بمفهوم النهضة هنا عصر النهضة الذي بدء في منتصف القرن 19 عربيا وانتهى في بداية القرن العشرين، بل تحدث عن النهضة بوصفها “مفهوما” موجها سؤاله للمشتغلين بالفلسفة، هل نحن بحاجة إلى نهضة أم لا؟

ويقر أنه للإجابة عن هذا السؤال لا بد وأن نفهم فلسفيا معنى النهضة، “أقصد بالنهضة ذلك الفعل الذي يتجاوز ركودا تاريخيا ويقيم قطيعة مع مرحلة قديمة وتدشين مرحلة جديدة من التاريخ الثقافي الفكري السياسي والاجتماعي، لما كان الأمر على هذا النحو فإنني أعتقد جازما بأن واقعنا العربي يحتاج الآن إلى فعل نهضوي جدري يؤسس للقطيعة”.

وأضاف متسائلا هل الفلسفة قادرة على تأسيس هذه النهضة، “لأن الفلسفة تدك أعلى الحصون العقل وتقتحم أشد كهوف الثقافة وتبرز العقل بوصفه عقلا يتجاوز المفاهيم القديمة ويؤسس للمفاهيم الجديدة لكي نحدد نهضتنا يجب أن نحدد واقعنا الذي يحتاج إلى النهضة تماما، ولكي نحدد تنويرنا يجب أن نحدد ظلامنا .

وعرض بتفصيل أربع مركزيات التي تتحكم  حسب قوله بواقعنا العربي وهي: مركزية الإله، مركزية الحاكم، مركزية الثروة، مركزية القضيب وبالتالي أربع خطابات، فماذا تعني النهضة هنا، فإذا كانت النهضة تعني الانتصار على عدد من هذه المركزيات من أجل تحقيق مركزية الذات الإنسانية مركزية الأنا مركزية الإنسان، فنحن كمجتمعات لامركزية للأنا التي تتحول بفاعلية إلى ذات، وماهي الذات هي الأنا وقد انتقلت إلى الفعل بوصفها مركزا حرا في هذا العالم بمعزل عن تعيينات صراعها من أجل الحرية، فهذه المركزية الأربع مجتمعة كلها ومتشابكة.

إن الخطاب المستمد من “مركزية الإله” مازال هو الخطاب السائد، هناك ثلاثة أنواع من الخطابات الصادرة عن مركزية الإله الخطابات هي بالأساس بشرية متكئة على خطاب مقدس. إن الخطاب الديني الشعبي هو ثقافي ولا يعتقد أنه يشكل عقبة أمام التحرر من الخطابات الأخرى المستبدة التي تستمد استبدادها من مركزيات الله، هناك الخطاب اللاهوتي وهنا يجب أن نميز بين النص واللاهوت ، اللاهوت هو خطاب بشري مستمد عبر تأويل شديد وعبر تطويع شديد من النصوص المقدسة هذا الخطاب مازال حاكما لأنماط السلوك، لماذا؟ لأنه يخلق الوعي أي سلوك الوعي ، ومن جانب أخر  أبرز أن هناك الخطاب الأيديولوجي الذي تستمد منه الحركات الأصولية جميعها مصطلاحاتها بحيث تحول الخطاب الديني المؤسس إلى خطاب إيديولوجي هذا الأخير أنتج ما يمكن أن نسميه “الخطاب العنفي” المستمد من مركزية الله.

” إن الدفاع عن مركزية الإنسان لا تعني إطلاقا التدخل في إيمان البشر ونزع مفهوم الله من وعيهم وما من أحد يستطيع انتزع ذلك إلا إذا توصل الإنسان إلى حالة من الحرية والفردية صار معه أن يقرر المعتقد الذي يريد”، إذن يمكن اعتبار أن الفلسفة وحدها هي القادرة على خوض معركة تعيد للإنسان اعتباره بوصفه مصدر للخطاب وبوصفه غاية أساسية، بل غاية الغايات وبالتالي مكانة الإنسان لا يمكن أن تتحقق إلا انطلاقا من مركزيته ومركزية الإنسان لا تتحقق إلا بالاعتراف بحرية عقله وحرية عقله لا يمكن أن تتم إلا انطلاقا من أن يكون العقل مرجعا وحيدا في علاقته بالعالم.

وقد أوضح الفيلسوف أحمد برقاوي أن الفلسفة تعيد للعقل حريته وللبشر حريتهم في استعادة الحق في السؤال، وليس هذا فحسب والقطيعة مع الأجوبة القديمة لأن ثقافة الأجوبة لديها أجوبة عن كل شيء دون النظر إطلاقا إلى تحولات الحياة، التي تحتاج إلى قوة ليست فقط عقلية بل روحية انطلاقا من مركزية الله. فمركزية الحاكم كانت سابقة على مركزية الله واستمرت مركزية الحاكم على هذا النحو وبالتالي حدث الانفجار الكبير الذي حصل في هذه المنطقة هو انفجار على مركزية الحاكم ولكن تعقيد الحياة جعل الأمر مرتبطا بمركزية النص الديني التي تواجه مركزية الحاكم فعمليا مركزيتان تتصارعان فيما بينهما  الهدف الأساسي للفلسفة هو تحطيم مركزية الحاكم لذلك الفلسفة عندما تتحدث عن ضرورة العقد الوطني والعقد الاجتماعي و تريد للحرية أن تنتج معادلها السياسي، بحيث تكون الذات الحرة الأنا الذي انتقل إلى الذات والذات بوصفها فاعلة قادرة على إنتاج هذا المعادل السياسي الحر.

ويبقى دور الفلسفة أن تعيد الاعتبار لفكرة الحرية المتعينة بما نسميه الديمقراطية بالعقد الاجتماعي الحر بين البشر، هناك مركزية ثالثة أشد ولا أحد يستطع أن يقاومها انطلاقا من القطيعة معها وهي “مركزية الثروة” ، اعتقد الاشتراكيون أنهم قادرون على إقامة قطيعة مع مركزية الثروة تأسيسا على النظام الاشتراكي.

إن الصراع الآن في الغرب بين مركزية الثروة ومركزية الإنسان مازال حاضر هذا الصراع، بل كيف لنا أن نواجه مركزية الثروة هناك مفاهيم طرحتهم الفلسفة “العدالة، التوزيع العادل…”، يجب على الفلسفة أن تظهر لهذه الكائنات التي تلهت وراء الثروة لتحقيق لقمة عيشها يجب أن تظهر لهم هذا الاغتراب الشديد الذي يظهره لهم المرء في عصر يلهث به من أجل تحقيق الحد الأدنى من الحياة سماه ماركس “قوة العمل”، وهي التي تبقي الإنسان حي كي يعمل وهذا موجود في كل العالم، ليس هناك قوانين تنظم عملية تحقيق حد أدنى من القانون الاقتصادي والسياسي فالخطاب الأخلاقي ضروري من يستطع أن يحقق الدليل النظري لمثل هذه العملية الفلسفية ، الفلسفة أولا ومركزية القضيب، ونحن نعيش في مركزية القضيب التي صارت مبررا للقتل .. إن المرأة في عالمنا مازال ينظر إليها في بعض من الخطابات المستمدة القديمة كخطاب مركزية الله والمستمرة في الخطاب الشعبي في الثقافة الشعبية على أنها كائن ناقص عقلا، مركزية القضيب جعلت من المرأة عورة وفتنة كائن بشري هو عبارة عن فتنة وانطلاق من هاتين الصفتين يتحول الكائن البشري إلى حيوان أقل شأن من بعض الحيوانات وفي كل العالم مازالت مركزية القضيب قائمة ولكن في عوالم أخرى هي أخف بكثير من عالمنا هذا.

إذا كنا نواجه مثل هذه المركزيات الأربع بخطاباتها فكيف يمكن للفلسفة أن تقدم نفسها إذا لم تقتحم هذه المركزيات هذا يتطلب إذا نقد الخطاب العربي و هذا لا يعني أن نذهب إلى الجابري ونحاكمه و العروي وزكي نجيب محمود الجديد في الخطاب وعدم الترديد فلقد جاء حين من الدهر انشغلنا مثلا بمشكلة التراث بدل من أن نقيم قطيعة معرفية وفلسفية مجددين، أردنا أن نستمد عقلانية من كتب التراث الإسلامي من الفارابي وابن سينا وابن رشد ….وما شابه ذلك رغم أننا على دراية بأن هذه الفترة التي شهدت تنوعا هائلا في هذا التنوع الفلسفة، ليست شكلا من أشكال الأزمة قد تعيش سبات ما لكن عندما تكون لا تكون بوصفها فلسفة أزمة بل فلسفة نهضة تتجاوز انطلاقا من سيطرت هذه المركزيات الأربعة.

الفلسفة لم تستطيع أن تكون مهادنة مع أي مركزية من المركزيات لا تستطيع لاسيما أن جميع هذه المركزيات حاضرة باللحظة نفسها موجودة ترابط شديد نحن لسنا أمام أزمة من مركزيات جميع هذه المركزيات من القوى المتساوية ولذلك كل تحطيم لمركزية من المركزيات قد يؤدي إلى تحطيم مركزية أخرى أو يخفف من قمعها لأنها سلط قامعة  للفلسفة.

إذا كان الواقع مرفوض فلسفيا هل يستطيع الفيلسوف أن يقدم بديل لواقع مرفوض فلسفيا للنهضة في الخطاب الفلسفي وكما أشار الفيلسوف أحمد برقاوي في كتابه انطولوجيا الذات وفي كتاب الأنا وكوميديا الوجود الإنساني قائلا ” الفيلسوف هو مكتشف الممكن أو مكتشف الإمكانيات” إن الفيلسوف الذي يريد أن يحرر العالم من مركزياته يجب أن يكون بالضرورة متحرر من أي مركزية إن مركزية العقل والإنسان والهجوم على مركزية العقل لا ينتج خطاب متوحدا إنه يحدد غاياته في كل خطابات المركزيات الإنسان، “إن المركزيات تنتج صنمية الفكرة والفلسفة يجب أن تطلق النار “العقل” على دريئت هذا الخطر الشديد لأفكار صنمية عبر هذه المركزيات التي استمرت طويلا أنتجت عدد من التصورات الصنمية، الفلسفة تحطم الأصنام تحطم الأوثان بل إنها تكشف عن تلك الأفكار القبيلة التي كنا نظن أنها صحيحة ومفيدة للحياة وهذا هو مهمة الفلسفة الآن، “وشاهدنا كيف أن المنطقة العربية تشهد تحطم البنى والذي أنشأ تناقضات والصراعات طالما أن البنى تحطم وانفجر المستنقع.”

وختم محاضرته بالتأكيد أن دور ومهمة الفلسفة أن تكشف عن البنى البديلة الممكنة وتخلق وعي باستعادة البنى القديمة الفلسفة هي البرهنة على أن التاريخ لا يعيد نفسه إنه يتم مرة على نحو أصيل ومرة على نحو مسخرة الفلسفة لا تلبس أزياء الماضي وتتنكر بها  الفلسفة قد تكشف فكرا نيرا عن فيلسوف ما ولكنها لا تلبس أزياء الماضي الفلسفة تجعل من الكائن غاية ومن النهضة انتصار لمركزية الذات فإنها تكون فاعلة لا بوصفها وعي بالعالم فقط بل بوصفها فكرا يمد العالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق