
لعنة التدخين
شوقي بدري
بالرغم من التحذيرات الموجودة بكل اللغات في العالم لا يزال البشر يدخنون. والبعض قد يفضل ان يضحي بوجبة تكفي اسرة كاملة لكي يبتاع السجائر ويظل جائعا، لأنه يقول انا أستطيع ان اتحمل الجوع ولكن لا أقدر على العيش بدون تدخين. أحد الاخوة الذي التقيه كثيرا يلعن إلىوم الذي تقبل فيه سيجارة من صديق قبل اربعة عقود. كنت احذره بشراسة واطلب منه ألا يتقبل السيجارة. لا اعرف لماذا يريد المدخنون ادخال الآخرين في عالم هم يعانون منه؟
في نهاية السبعينات تعلم أحد الاصدقاء تدخين الهيروين. وهذه مرحلة قبل الادمان التام واستخدام الحقن. بعد أن كثرت شكوتي ونصائحي. وعد أن يقلع عن الهيروين إذا قدرت أن اكون بجانبه لمدة اسبوع وألا اتركه يخرج وأن استخدم القوة إذا احتاج الامر. لثلاثة ايام لم يكن قادرا على النوم. وبعدها صار ينام لفترات. في إلىوم الرابع استطاع أن يأكل. خرجنا في إلىوم الخامس. وكان الاصدقاء كالعادة يرحبون به ويواصلون الصخب. كنا في نجلس في مطعم ملهى سودوم في المدينة الجامعية لوند ترددنا إلىه منذ بداية السبعينات.
كان يجد صعوبة في رفع رأسه. اخيرا قال لي. .. لو عرفوا ما امر بهمن الم لرحموني من كلامهم. هيا بنا نذهب. اخيرا تعافي تماما من الهيروين. الا انه إلى إلىوم لا يستطيع أن يترك التدخين يقول لى كلما الومه. .. هل تصدق ترك التدخين أصعب من ترك الهيروين، ولا يزال يدخن السجائر.
اعتقد أن الحرب ضد التدخين والتوعية يجب أن تبدأ منذ الطفولة، كما يجب ان نردد النصيحة حتى ترسخ في عقول الصغار. ولكن المشكلة أن الاطفال لا يعملون ما يطلب منهم كل الوقت، ولكنهم يعملون ما يشاهدون الكبار يقومون به.
قبل سنين عديدة كتبت موضوعا عن السجائر
اقتباس
ولع .. وبخبخ . .
قرأت قبل ايام لاحد كتابي المفضلين موضوعا شيقا. فبعد ان ظبط شطة بالليمون قال لابنته انها شطة ابو كديس. وتساءلت ابنته هل يعني بالإنجليزية، فاظر اوف ذي كات؟
الكديس كلمة نوبية مثل ككو وقرنتية وطورية، الخ ومن الكلمات البجاوية عنقريب وككر وبعشوم وقنقر وشلوفة، الخ. المقصود طبعا بابو كديس هو السجاير ابو كديس او كريفن ايه. وشعاره كديس او قط. ولقد طغي هذا السجاير بصورة سريعة على سجاير البحاري او نيفي كات. وشعاره بحار بلحية. والبحاري كان مسيطرا تماما على السوق. ولكن مع بداية الحكومة الانتقإلىة فتحت الاسواق السودانية لبضائع مختلفة بعد ان كانت كل البضائع بريطانية او ما تمتلك فيها بريطانيا أسهم مثل شركة فيليبس للادوات الكربائية وهي هولندية. وظهرت السيارات الالمانية والفرنسية. مثل الفولكسفاغن والبيجو.
ابو كديس كان طفرة وثورة في عالم التدخين لأنه كان مزودا بفلتر. والسجاير قبل الحرب لم تكن مزودة بفلتر. وكان الناس يقولون لإغاظة شخص في لعبة الكره او االورق ابو كديس ضرب البحاري. او ده شغل ابو كديس.
الليمونادة كانت الجنجبيرة. وتصنعها السكك الحديدية قسم المرطبات. او ليمونادة نظاريت ايمريان الارمني ومعمله شرق الجامع الكبير في امدرمان. وهو يسكن في شمال المجلس البلدي، حارة إلىهود. العم محمد صالح الشنقيطي القاضي كان له مصنعا للليمونادة قبل ا، يتجه إلى التراكتورات وصار العم داؤود عبد اللطيف أحد شركائه.
وظهرت الكيتي كولا والسينالكو. والسينالكو كانت شفافة. وشعار الكيتي كولا كديسة تركب دراجة وتحمل صينية وتقدم الكيتي كولا. وكانت في 1953 اغنية شعبية في امدرمان تقول، الكيتي كولا راكبة عجل والسنالكو جاريا ورا. وكانت من اغاني البنات. لان الشباب كانوا يركبون العجلات.
أحد اهل البادية اتي لأمدرمان في الثمانينات في الديمقراطية الاخيرة. وطلب كيتي كولا. فضحك صاحب الدكان وقال له، انت من اول مارس تاني ما جيت؟، فبعد دخول البيبسي والكوكا كولا توقفت الكيتي كولا والسنالكو. واول مارس المقصود به احضار الانصار في اول مارس 1954. وحادثة مذبحة القصر. والاعمام نورين والعم حسين ناضلوا بمشروب الحرية. وظهرت الدبل كولا. لويزو والبزيانوس. فيما بعد.
قديما كان هنالك سجاير ماتوشيان وعرف بسجاير المشاطات بعد ان ظهر البحاري الفاخر. وعرف كذلك بحنكروش.
سجاير ماتوشيان تغير اسمه عند العامة إلى ماتو سيان. لأنهم اكتشفوا في مكان تعبئته في مصر، كانوا يخلطون النشارة بالتبغ. وكانت فضيحة لم نعشها ولكن سمعنا بها فيما بعد. وفي مصر كانت هنالك مهنة جمع السبارس. ويقومون بتعبئته من جديد للفقراء. ويجمعه الاطفال من الرصيف والمقاهي. وفي السودان كان هنالك سجاير رخيصة اسمها ابو نخلة كانت مرغوبة في الستينات بسبب رخص ثمنها.
في بداية الخمسينات ظهر سجاير فاخر اسمه ملز. توجد بداخل الصندوق صور لمحاربين وحيوانات بديعة كان الاطفال يجمعونها بمتعة كبيرة. ولكن البحاري كان سيد الموقف لفترة طويلة. وكان ياتي في علب من الصفيح تحوي على 50 سيجارة والعلبة اسطوانية. او في علب مسطحة عشرين سيجارة. وللعلبة الفارغة قيمة فالنساء يحفظن فيها الخيوط والابار والخرز والمفاتيح والاغراض الصغيرة. .
في صور يوم الاستقلال يظهر رجل طويل القامة وهو يرافق السيد عبد الرحمن والميرغني. انه العم ابراهيم جبريل رئيس المراسم في القصر الجمهوري. وكان عنوانا للشياكة والاناقة. وكان منزله في نمرة اثنين يدهش الناس. كان عنده سجاير يصنع خصيصا في اليونان واسمه نمبر ون. وكان يأتي في علب الصفيح. او في صناديق خشبية. عندما كان نزيلا في سجن كوبر في ايام الدكتاتورية كان يبر السجناء السياسيين بالسجاير. وبعد ان ترك السجن أرسل صندوقا للسجناء. قال لي الدكتور محمد محجوب عثمان انهم بعد تذوق سجاير العم ابراهيم جبريل مسخ لهم البينسون. العم ابراهيم جبريل كان من اقطاب الاتحادي. وفي ايام الانتخابات كان يصطحب ابنه سعد رحمة الله عليه ليقدم السجاير وهو يحمل ولاعة فاخرة.
الاخوة المسيحيون كانوا يقدمون السجاير في مآتمهم. وكان المدخنون يستمتعون ويطيلون الجلوس. أحد اخوتنا من اصحاب الكيف كان يقول لو ما الخجل كان الواحد خت السيجارة في جيبوه ولف بيها بعدين. اخونا، س، أظرف ظرفاء امدرمان توقف على عجل وطلب دفتر من صاحب الدكان. فأعطاه صاحب الدكان كراس. فطلب قلما وعندما امسك بالقلم قال… ممكن تديني املاء بعد كدة. وهو الذي قال لاحد سياسينا وزعيم طائفي عندما أكثر الكلام عن الدين، يا سيدي الدفتر بقي اغلي من جزء عم. والدفتر ما بتلقي وجزء عما ما في زول بشتريه.
“قسم المكوجي في الموردة اتاه صبي وقدم له دفتر لف امام جمع من الناس قائلا ده وقع منك يا عمي. فقال له اسي لو دي طرادة ومرسوم فيها عمك شايل المكوه كنت حتجيبها لي؟ الدفتر او ورق البرنسيس كان بتعريفة. والبعض كان يشترية البعض لنظافة النظارة. وفي الشمإلىة كانوا يزرعون التبغ المعروف بالقامشه ويلفونه سجائر بورق الدفتر.
الشيخ ارباب العقائد اشتهر خارج السودان بإشادة الازهر به لكتاباته عن تحريم التبغ. ومسجده كان مكان مسجد فاروق الحإلى. وكانت له كلمة مسموعة عند سلاطين سنار. ولقد حرم الدخان في المهدية. وكان يسجن ويجلد من يتعاطاه. وكان الجهادية يحضرون الدخان معهم ويضعونه في بضاعة التجار او المسكن ويبتزون الناس. وهذا ما يحدث الآن بطرق اخرى. والتمباك والسجاير كان يحرم دخولهما الجزيرة ابا. وقديما قبل دخول البصات او اللواري توضع الحقق والسجاير خارج الجاسر ويحرسها المساعد.
الشاعر الحردلو كان مدخنا ويظهر انه عانى من الحرمان في ايام المهدية. وعندما دخل الانجليز ضنقلا. قال
يا خليفة المهدي يا ود ام كنفوس
وكتين جونا النصارى اكان در
سيجارة واكان در كدوس.
الروثمانس سبق البنسون. وهذا هم التبغ الروديسي الذي يعتبر اجود تبغ. ولكن بعد استقلال زمبابوي لم يحافظوا على المستوي الجيد. ولا يزال البنسون هو شعار السودانيين.
في نهاية حكم نميري وبسب قراراته الرعناء منع استيراد السجاير فيما عدى سلكات وسوفرين وجعلها حكرا على صديقة الزبير رجب. ولم يفكر في جيوش الموظفين واصحاب الشركات واستثماراتهم. وكان الناس في امدرمان يحذرون من تدخين سوفرين لان الورق مشمع او بلاستيك. ولقد اكتشف هذا الامر ناس البنقو. فعندما كانوا يلحسون السيجارة لقطع الورق وفتفتتها قبل لفها من جديد. اكتفوا ان الورق لا يبتل.
وسمح لسجاير برنجي لأنه صناعة محلية. ولكن الحقيقة ان حجار يستورد التبغ بالطائرات من زمبابوي. ويقومون بتعبئته في السودان. وحجار كان وكيل بوستة في الجنوب. وتصادف ان أحد المفتشين البريطانيين أنشأ مزرعة للبن والشاي والتبغ. وحكم عليه بمصادرة المزرعة والطرد. وبيعت المزرعة لأنه استغل عمل المساجين. واشتري حجار المزرعة بخمسين جنيها دفعها في اقصاد.
التبغ والفول السوداني والبطاطس والطماطم والذرة الشامية والديك الرومي والمطاط كلها لم تكن موجودة من قبل. ولكن اتت من امريكا. والهنود الحمر هم من بدأ بالتدخين وكانوا يضعون الجزء المشتعل داخل الفم. ويسحبون النفس.
في جنوب السودان يعتبر التبغ كنقد وقد يكون من مهر العروس. ويكون في كتل أقرب إلى بعر الفيل. وأكثر من يهتمون بالتدخين هم الشلك. ولهم غليون طوله حوإلى نصف متر او أكثر. والقاعدة من الفخار في شكل ثور وله عود طويل مجوف ومغطي بالجلد وينتهي ببخسة صغيرة من القرع اقل من قبضة إلىد يغطي نصفها الجلد الذي يلصقها مع انبوب الكدوس الطويل. ويترك الجزء الاخير عاريا للشفاه. ويزين الكدوس بالسكسك والحلي. وقد يصل سعره لسعر حمل. وهو قطعة فنية. ويقدم الكدوس للضيف ويتوسط حلقات النقاش او الونسة. وهنالك الكدوس الصغير وهو منتشر في كل الجنوب. وتدخنه حتى النساء العجايز.
جدتي رحمة الله عليها كانت تعطيني شلنا. وتطلب كل يوم خمسة سيجارات. وتبقي تعريفة. وتقول لي، وجيب الحلاوة البتخلي الموية صاقتة. وتقصد حلاوة نعناع. التي تنتجها مصانع سعد في شكل اقراص كبيرة بيضاء. وتعطيني واحدة منها. وكان الخمسة بتعريفة، حتى في الستينات. وفي أحد الايام اعطيتها اربعة اقراص. وسألتني إذا اخدت نصيبي. وانزعجت عندما عرفت ان اليماني قد رفع السعر. وكانت الحلاوة مع القهوة والسيجارة هي منتهي الكيف بالنسبة لها. والنساء عادة عندما تتقدم بهن السن يتجهن إلى التدخين وشراب القهوة.
لفترة قصيرة ظهر سجاير في نهاية الخمسينات اسمه ماتينيه. كانت دعايته تظهر صور الفنان ابو داؤود. ولم يكن الناس يعرفون اسمه بل يقولون اديني سجاير ابو داؤود.
الجنود الامريكان كانوا يزودون بسجاير لكي استرايك. والجنود الذين عملوا في قاعدة وادي سيدنا ومنهم ماكنمارا وزير الدفاع الامريكي فيما بعد كانوا يهدون هذا السجاير لأصدقائهم السودانيين. وبما ان السجاير مصدر دخل لكل الدول بسبب ضرائبها الباهظة فأن تهريب السجاير كان دائما مربحا للمهربين. والبليونير اوناسس الذي تزوج جاكلين كندي ارملة الرئيس كندي، كون بداية ثروته من تهريب السجاير في تركيا.
الترويج لأنها تحارب التدخين، فان سعر العلبة يصل إلى 15 دولارا. وفي السويد تساوي 10 دولارات. وفي اوربا تدخن الفتيات أكثر من الرجال. ويعزي هذ الان التدخين يعطيهن شعورا بالشفتنة. او لإراحة الاعصاب وعدم اظهار الاضطراب بسب النظرات. وان لم اري اسكندنافيات يبحلق في فتاة.
من أكبر الشركات في العالم وقد يقارب دخلها الترليون دولار هي شركة فيليب مورس ومن منتجاتها سجاير ماربورو وسفن اب وبلاوي.
كركاسة… بما ان الدولة تدخل فلوسا مهولة من الفلوس من التبغ، هل هذا مضمن ولا مجنب في حكومة الانقاذ. انا لست بمدخن بس عاوز اعرف، ولا شنو.