سياسة

رسالة إلى البرهان وحميدتي

لا تكتم الشهادة

إبراهيم منعم منصور

-1 الحديث عن ولاية وزارة المالية الإتحادية على المال العام – أمر بديهي ومن المسلمات.

-2 قيام وزارة المالية في كل عهودها – ما عدا سنة واحدة على ما اذكر في الديمقراطية الثالثة – بتلبية كل طلبات ومتطلبات الجيش السوداني حقيقة ثابتة. السنة التي استثنتها هي السنة التي قام بها ضباط القيادة العامة الجنوبية بالتحفظ كرهائن على كل من وزير الدفاع والقائد العام بسبب النقص في احتياجات القوات المسلحة وهي في حالة حرب بجنوب البلاد وقد تم معالجة الأمر إلاّ أنه فتح (بابا) لتدخل الجبهة الإسلامية في حياة القوات المسلحة عن طريق جمع (تبرعات) وتواصلات بين علي عثمان محمد طه وبعض الضباط مما لا مجال له الآن.

-3 وكما في الجيش فإن وزارة المالية الإتحادية لم تتوانى أو (تقصر) في تلبية كل طلبات أجهزة الأمن علىمختلف مسمياتها وواجباتها وأزمنتها.

-4 أخلص من هذا إلى أن كل ما تملك القوات المسلحة من أجهزة وعتاد وممتلكات و(شركات) مصدره وزارة المالية الإتحادية. وكما هو معلوم فإن القوات المسلحة على مختلف العهود لم تقم بـ (غزو) دولة أو الحصول على (غنائم) منها حتى تكون لديها ممتلكات خاصة بها وليس من أغراضها كما اعلم العمل في الزراعة أو الصناعة أو التجارة حتى يكون لها – رأس مال تستثمره في شراء المحاصيل واللحوم وتصديرها. أقول هذا وأنا أستصحب رأي العسكرية السودانية ممثلة في اللواء أحمد عبد الوهاب – طيب الله ثراه – ناصحا الرئيس جعفر نميري – رحمه الله – عندما قرر إنشاء مؤسسة عسكرية للزراعة وأخرى للتجارة بأن يوقف قيام المؤسستين لأنه أولا: هذا ليس من مهام الجيش في بلادنا، وثانيا: يدخل (الفساد) وسط كبار الضباط. وذكر له أنه كان في رحلة تفقدية في المدرعات الجنوبية ووجد قائد الحامية بملكال وهو برتبة عميد قد زرع (فول سوداني) بقي لحصاده أقل من شهر فأمره أن (يقلع) الفول قبل العاشرة صباحا وإلاّ يعتبر نفسه موقوفا ويسبقه إلى الخرطوم. فشلت كل الوساطات وقبل أن يسمح له بأن يستخدم (المساجين) ويدفع لهم (يومية) المثل. أوقف الرئيس نميري المؤسسة الزراعية وظلت حبرا على ورق وسمح للمؤسسة التجارية باستمرار نشاطها لفترة تسترد فيها أموالها من شريك أجنبي في تجارة السجائر وبعض المقتنيات.

-5 أما جهاز الأمن فهو أيضا ليست لديه ثروة أو مصادر أموال من غير وزارة المالية الإتحادية وإذا كانت لديه تفاهمات متبادلة مع أجهزة بعض الدول فتكون في تبادل المعلومات وربما بعض الأجهزة التي ليستلها قيمة (سوقية) تقوم بتسييلها إلى نقود حتى تستثمرها وتتاجر بها علما بأنه ليس من مهامها بخلاف (جمع المعلومات) دخول السوق ومزاحمة رجال الأعمال والإتجار في كذا وكذا.

-6 الشركات التي تخص الجيش والأمن وروافدها تدر أرباحا ولا شك وإلاّ لما استمرت تحت قبضتهم. فإذا كانت مسجلة بموجب قانون الشركات فإن وزارة المالية الإتحادية تستحق إيرادات في شكل ضرائب أرباح الأعمال. أما إذا كانت قائمة كمؤسسات بموجب قرارات جمهورية أو ما شابهها فإن كل ما تدر من عائدات تخص وزارة المالية وعلى الجيش أو الأمن وروافدهما أن يتقدم إلى المالية بطلب لتخلصه من العائدات ما يلي احتياجاتها – وفي جميع الحالات لصاحب الولاية على المال – أي وزارة المالية – أن تقرر إن شركة ما خاسرة حسب تقرير ديوان المراجعة القومي ولا يمكن تقويمها أو أن أغراضها تتنافى مع مهام الجيش أو الأمن فيمكن أن تتصرف فيها بما تراه مناسبا بما في ذلك التصفية.

-7 قد تكون هناك شركة أو مؤسسة واحدة ذات صفة (استراتيجية: عسكرية أو أمنية) لا تخضع لعوامل الربح أو الخسارة أو العودة إلى وزارة المالية فهذه تستثنى بطبيعة الحال.

-8 حتى الآن (يونيو 2020م.) فإن وزارة المالية الإتحادية ليس لديها سجل بعدد وأغراض شركات ومؤسسات هذه الجهات – وبالمثل ديوان المراجعة القومي وكذلك المسجل التجاري. خاصة وأن البعض لسبب أو آخر – مسجل بأسماء أفراد من هذا المرفق أو ذاك.

-9 قد لا تقبل جهة ما أن تسلم الشركات لأنها (ملكها) ولا يحق لوزارة المالية أن تدعي الولاية عليها: ولاية المالية على المال العام أساسها أن المال في الأصل في يد (الشعب) ويقيم الشعب حكومة يعهد إليها بمسئوليات يتطلب أداءها وجود (مال) وبما أن (المال) في يد الشعب تنشئ الحكومة وزارة تعطيها الصلاحيات للحصول على المال من الشعب في شكل ضرائب ورسوم وإتاوات… إلخ. ثم تعهد الحكومة إلى هذه الوزارة بتولي الصرف على مرافق البلاد المختلفة: منها الجيش والأمن لتحقيق اهداف من أنشائها. فإذا زاد المال من حاجة هذه المرافق فإنه لا يحق لها بأن تقوم بعملية (تجنيب) وتنشئ به شركات سواء من أهدافها أو غير أهدافها بدون موافقة صاحب الولاية على المال العام – وإذا لم تحصل الموافقة أو حتى العلم لا ينفي ذلك ملكية الوزارة أي ولايتها على هذا المال. هذا هو الأمر ببساطة: المال والعقار والشركات… وكل شيء.

-10 عندما ذهب دكتور إبراهيم بدوي فور تعيينه يتحسس دور المجتمع الدولي والمانحين لدعم السودان كصندوق النقد الدولي – كممثل للمجتمع المالي الدولي – صريحا معه وأعطاه (روشتة) هي تقرير يقول إن الأموال التي تمتلكها الشركات الأمنية تغطي ما ينتظره السودان من المانحين. لذلك يجب أيلولة شركات الأجهزة الأمنية إلى وزارة المالية. وإذا لم يتم ذلك أو لم يكفي ابدأ بالبديل وهو الدعم لتغطية جزء من الاحتياجات ثم اللجوء للمجتمع الدولي. غير أن رجال الفكر والتنظير السياسي والإقتصادي وهم على علم بالتقرير وقد اطلعوا على (الروشتة) كاملة اتجهوا مباشرة إلى (البديل) وظلوا يهتفون: الدعم (خط أحمر) ليس الدعم وإنما (أيلولة أموال الدولة التي لدى الشركات الأمنية إلى مكانها الطبيعي وهو وزارة المالية). البعض ركز هجومه على إبراهيم البدوي الذي أدى تحسسه لرأي المجتمع المالي الدولي إلى كشف الخط الأحمر. حزب الأمة القومي هو الحزب الوحيد – ومعه المفكر سعيد أبوكمبال هما اللذان وافقا بشرح موضوعي – على إلغاء الدعم – كبديل: إذ أن الآخرين: أحزابا ومفكرين وعلماء و… و… كل ما تحمله الألقاب لم يتطرقوا أبدا إلى أن المال موجود لدى الحكومة وأن المفاتيح لكل الخزائن بيدها. ولكن ذلك هو (الخط الأحمر) وليس (الدعم) الذي هو البديل فجعلوا منه الأصل. وروشتة الصندوق وهي الشركات الأمنية تجاهلوها وهتفوا ضدها (لا لروشتة) صندوق النقد… وأوهمونا بأنها شر واستعمار في حين هي الخلاص دون أن نلجأ لأي جهة ولا للبديل: على الأقل ما كان لمواطن واحد أن يقف في صف خبز أو وقود أو انتظارا لمواصلات أو عجزا لشراء دواء… أو ارتفاعا لسعر الدولار وما تبعه من تداعيات في كل مناحي المعيشة والحياة. وهناك صحفي شجاع ظل يدعو دوما إلى أن السودان ليس فقيرا وكل رزقه واحتياجاته داخله ولكن من يستخرجها: شكرا محجوب عروة نقول لك نحن معك.

-11 الروشتة (المرفوضة) والتي هي الخلاص (الفوري) للمشاكل كل المشاكل (الفورية) نقول إن هذه الشركات وبأن (أرباحها) لسنة واحدة أو إذا لزم الأمر بيع بعضها يفك الضائقة (الإنسانية) قبل الاقتصادية المتمثلة في تعذيب الإنسان السوداني لشهور في الصفوف.. فأصبح كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ والماء فوق ظهورها محمول.

الشركات المشار إليها وهي تخص القوات المسلحة والأمن والتصنيع الحربي ومنظمة الشهيد والخدمة الوطنية تضم وقد لا يكون على سبيل الحصر ما يلي: بترونيد للبترول – هجليج للبترول – الهدف – قصر الؤلؤة – الجزيرة للتجارة والخدمات – الراية الخضراء للنقل الجوي – الشركة السودانية للخدمات الجوية – البنك المصري السوداني (مناصفة مع جهاز المخابرات المصري) كيف هذا يا بنك السودان المركزي؟ جهاز مخابرات غير سوداني يكون في قلب الجهاز المصرفي؟ شركة تجارة عامة في دبي (مفهوم) – سوبا للمياه – أسهم بشركات الاتصالات – أسهم بشركات جياد (السيارات – الآلات – الأثاثات – الكيبلات – حديد التسليح) – سودومين للذهب – الدولية للتعدين – عاديات. أرباح جياد وحدها في سنة (وهي المعلنة) تذهلك. وهناك منظومة الشركات الدفاعية وتخص الجيش وحده:

(1) مجموعة الاتجاهات المتعددة – مجمع سور – مجموعة شركات زادنا – أطلس

(2) مجمع الكدرو للحوم.

وهنا يحضرني أنه في أثناء الحرب العالمية الثانية احتاج الجيش بقيادة المارشال مونتقمري إلى لحوم وطلب ذلك من حكومة السودان الإنجليزي المصري. كلفت الحكومة القطاع الخاص وقامت بذلك شركة رباعية من تجار الماشية (كردمان – صالح عباس – عبد الحميد المهدي – زين العابدين أبو قاضي) وليس شركة قوة دفاع السودان واعتمد عليها الجيش الثامن بإيقاف زحف المارشال روميل والنازية نحو مصر – ثم انفض سامرها وتركت السوق لأهل السوق. وإذا وجد من يحصي العدد فيكون قرابة الثلاثين. يكفي أن أرباح جياد في عام 2014م. كانت 360 مليار في السنة بمعدل مليار كل يوم – هل تدهورت الآن بعد 6 سنوات أم تقدمت؟ حتى إذا كانت في نفس الموقف يكفي لفك الضيقات التي في البلاد. صاحب الولاية على المال لا يعرف إليها طريقا.

-12 سيدي الرئيس: لا تكتم الشهادة: أصحاب العلم والألقاب والمعرفة والقيادة – بخلاف من ذكرت – لا يصارحونك بالحقيقة. جهاز الأمن الذي يفترض فيه أن يجمع المعلومات وينقل إليك معاناة المواطن على مدى شهور وأنه يمكنك بقرار منك أو توجيه لهذه الشركات أن تفض إعتصام الأسرة السودانية في الشارع (الأم في صف الرغيف – الأب في صف الوقود – الابن أو البنت في صف الغاز). إذا كانت هذه الشركات التي تحت أمرتكم لا تملك من الفوائض ما يجعلها تقوم بذلك أرجعوها لصاحبها. صحيحاها دفعت (2) اثنين مليار دولار لدعم الميزانية. هذا المبلغ بالكاد يفي باحتياجات صف الرغيف (لا الميزانية). همس المواطن قد يعلو – ولكن بكل أدب واحترام لرأس الدولة وتقديرا لدور الجيش في التغيير يصوب سهامه نحو البدوي وحمدوك حتى الآن. الجهاز مشغول بشركاته ولا أسامه داؤود.

-13 أختم حديثي بالقول للسيد الفريق نائب الرئيس حميدتي رئيس اللجنة الاقتصادية وأثني على جهوده في ملاحقة تجار العملة والمضاربة على السلع والخدمات ورموز النظام الماضي وألتمس منه أن تكون جهوده في الاتجاهين: القطاع الخاص والرموز – والخط الأحمر – إذ أرى ويرى معي المواطنون أن الجهود كلها تسير في اتجاه واحد. وأفسر حديثي بأن يطلب سيادته من جميع تلك المؤسسات والشركات (غير الإستراتيجية) أن تفتح دفاترها لديوان المراجعة القومي لنعرف كمواطنين ويعرف صاحب الولاية على المال العام موقفها المالي: هل إضافة أم خسارة للاقتصاد الوطني أم لصالح فئة معينة – وهل تساوي أضافتها للاقتصاد الوطني استمرار وجودها خارج وزارة المالية أو إتاحة الفرصة لصاحبالولاية أن يوظف المال في مجالات أخرى كدعم القطاع الزراعي أو الصحي أو العلم. كما أرى أن تشمل تقارير المراجعة القومية بعض الأنشطة التجارية التي دخلت فيها بعض الشركات والمؤسسات مزاحمة للقطاع الخاص في أسواق الحبوب الزيتية (السمسم والفول) واللحوم والصمغ العربي – بل وقد شاع أحيانا في المضاربة في العملة وشراء الدولار وهل تتمتع بإعفاءات جمركية و… و … مما يطلعكم عليه (ناس السوق) لو جلست معهم هل صحيح قولهم (تفتكروا تركنا التجارة ودخلنا سوق العملة باختيارنا – حدث ذلك بعد أن وجدنا أنفسنا في سوق سلعي غير متكافئ مع شركات حكومية. وحتى فيسوق العملة نلاحق نحن التجار ويلقى علينا القبض وتخلو لهم السوق ولا أحد يسائلهم). سيدي نائب الرئيس، أرجو أن تلاحق لجنتكم الجميع وأبدا من البيت. الحل داخل البيت قبل أن نتوجه للسوق أو العالم الخارجي.

والله من وراء القصد.

ملحوظة: الشركات الأمنية غير الـ 650 شركة التي صدر بشأنها القرار الأخير.20 يونيو 2020م

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق