سياسة

سفينة بَوْح

العودُ أحمد ..!

هيثم الفضل

بعد إعلان المكتب الإعلامي لمجلس الوزراء قراراتهِ الأخيرة بعد اجتماعه المغلق الأخير الذي استمر لثلاثة أيام ، وِفق حزمة من البرامج العاجلة لما تبقى من العام 2021 ، ورغم تأييدنا اللا مشروط لها ، لكن بدا الأمر لي وللكثير من المُراقبين وكأن حكومتنا الانتقالية في الفترة السابقة كانت تحكُم بلداً آخر غير السودان ، مثلها مثل طالب أجهد نفسهُ في مذاكرة وتحصيل وحفظ مادة أكاديمية ثم اكتشف فيما بعد أنها لا تخصهُ ، فأسرع ملهوفاً ومستعجلاً ومتوتِّراً ليبحث في آخر الدقائق عن مُقرَّرهُ الحقيقي والأساسي ، فمُجمل ما اهتم به الاجتماع المذكور من مواضيع وما أُصدرت فيه من قرارات ، يدخل في عِداد (البديهيات) التي كان من واجب الحكومة الاهتمام بها منذ فترة بعيدة من تسلُّمها السلطة ، ونفس النظرية تُجبرنا أن نطرح السؤال المنطقي التالي (إذا كان ما تم إعلانهُ بالأمس من قرارات وتوجّهات هامة يُمثِّل (مُستجداً) إستراتيجياً في برنامج عمل الحكومة ، فما الذي كانت تفعلهُ في ما سبق من زمن تولَّت فيه إدارة أمر البلاد والعباد ؟). ورغم دعمنا اللا محدود لمبادرة السيد / رئيس الوزراء التي حدَّدت كل الشروط الواجب مثولها للتمَّكُن من العبور والخروج من النفق المظلم ، وكذلك رغم إشادتنا بما حقَّقتهُ حكومة الثورة في مجال العلاقات الخارجية وفك أسر السودان من زنزانة المقاطعة الدولية تمهيداً لتصحيح مسارهُ الاقتصادي وانطلاقته التنموية ، إلا أنني لا أعتقد أن أمر معالجة الوضع الدولي للسودان في وقتٍ سابق ، كان قد استنفذ واستهلك كل موارد الحكومة من كفاءة وزراء ووقت وإمكانيات ولو كانت محدودة بالقدر الذي جعل جميع كوادرها غير قادرين على (التفرُّغ) لمدة عامين ونيف من توليها السلطة لمعالجة وإصلاح الداخل والالتفات إلى ما يعانيه المواطن السوداني من ويلات ، خصوصاً وأن ما تم إقرارهُ بالأمس من (اهتمامات) بقضايا الداخل الحيَّوية ما زال (سابقاً) لما تتوقَّعهُ الحكومة من موارد ستعقُب التحرُّر من حصار المجتمع الدولي.

كان من المنطقي على المستوى الأخلاقي الذي تفرضهُ الشفافية كمبدأ ديموقراطي مُقدَّس ، أن تبدأ الحكومة مؤتمرها الصحفي (باعتذار) للشعب السوداني ، ثم (اعتراف) بتقصيرها وضعف أداءها فيما يخص معالجة  مشكلات الداخل خصوصاً تلك المُتعلِّقة بمعيشة المواطن وأمنهُ وخدماته الصحية والتعليمية ، فالخطأ الإستراتيجي يتمثَّل في عدم العمل على مساري الخارج والداخل معاً ولو عبر معالجات (مؤقتة) و(إسعافية) كما يحدث الآن ، لو فعلت حكومتنا الانتقالية هذا لكفت نفسها الكثير من العثرات التي غذَّتها ثغرة الإحباط الذي أصاب المواطن واستفادت منه فلول النظام البائد والمقاومين لحركة التغيير داخل أجهزة الدولة تحت سقف الدولة العميقة ، والتي كان بالأحرى في هذا الإطار أن تُسمى بـ (الدولة المُعيقة) ، حيث استفادت من (التهاء) الحكومة ردحاً من الزمان في أمر معالجة المشكلة الدولية ، فنهشت في أرزاق العباد وموارد البلاد وهدَّدت الأمن والسلامة الوطنية وكاد أن يحدث ما لا تُحمد عُقباه ، عموماً لا يسعنا إلا أن نقول العودُ أحمد ، وأن تأتي مُتاخِّراً خيراً من أن لا تأتي .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق