سلايدرسياسة

الاقتصاد العالمي ما بعد (كورونا)

د. عمر محجوب محمد الحسين

يجمع الخبراء حول هشاشة الوضع الاقتصادي العالمي واتجاهه نحو الركود، وشهد العقد الماضي سلسلةٌ من الأزمات الاقتصادية والصدمات السلبية الواسعة النطاق، بدءا من الأزمة المالية العالمية للفترة 2008-2009، تلتها أزمة الديون السيادية الأوروبية للفترة 2010-2012م، وإعادة تنظيم الأسعار العالمية للسلع الأساسية للفترة 2014-2016م؛ ثم حروب الرئيس ترامب مع الصين، المانيا وفنزويلا وتدخله لنقض غزل وفض شراكة الاتحاد الاوربي، وازمته مع تركيا؛ خاصة وأن اقتصاديين يحذرون من أن التأثيرات الاقتصادية للحرب ستكون واسعة وسلبية، بما في ذلك انخفاض النمو الاقتصادي وارتفاع التضخم والبطالة في البلدان الغربية؛ اذا لم يتعافى الاقتصاد العالمي مطلقا منذ 2008م، حتى سقط الاقتصاد العالمي في مستنقع أزمة كورونا العاصفة، ومشكلة تدنى اسعار النفط الذى يعانى من انهيار الطلب العالمي على النفط بسبب انتشار فيروس كورونا، وفشل روسيا والسعودية في الاتفاق كان من اول تداعياته هبوط أسعار النفط في أسواق آسيا بأكثر من 20 في المئة، فيما سماه محللون بداية حرب أسعار بين المنتجين الرئيسيين، ثم تلى ذلك الهبوط الدراماتيكي للبورصات العالمية، في ظل اقتصاد عالمي بدلاً من ان يتعزز انساق نحو توقعات غير مبشرة بدءاً من عام 2018م، رغم أن التوقعات كانت تشير الى انه ربما تتحسن ظروف الاستثمار بشكل عام، بفضل انخفاض حدة التقلبات المالية، وتراجع هشاشة القطاع المصرفي، والانتعاش في بعض قطاعات السلع الأساسية.

وبفضل توقعات عالمية أقوى للاقتصاد الكلي؛ لكن ارتفاع مستوى عدم اليقين في مجال السياسات، وارتفاع مستويات الديون يحولان دون انتعاش محددات الاستثمار؛ حيث أن عدد من أوجه عدم التيقن والمخاطر باتت واضحة، لاسيما في مجال السياسات الذي ألقي بظلاله على آفاق التجارة العالمية. من جانب آخر حذر مجلس الاحتياط الفدرالي الأمريكي يوم الأربعاء الماضي من أن الغموض الجيوسياسي هو العامل الرئيس وراء قراره خفض أسعار الفائدة بواقع نصف نقطة تصل إلى 1.25 في المائة.

ايضاً ذكر مجلس الاحتياط إن الغموض حول الاتجاه الذي يمكن أن تسير به الحرب قد بدأ يقلص من الاستثمارات والإنفاق الاستهلاكي، وأصاب الأسواق المالية بالخمول. كما حذرت شركات الطيران البريطانية من أنّ قطاع الطيران في المملكة المتحدة قد لا ينجو من وباء كورونا من دون دعم مالي طارئ؛ وشهدت أسعار الأسهم عالميا أسوأ أداء لها منذ الأزمة الاقتصادية التي وقعت عام 2008، وهو جعل البعض يصف يوم الهبوط بـ”الاثنين الأسود”. وأغلقت المؤشرات المالية الرئيسية في الولايات المتحدة أول أيام التداول الأسبوع الماضي بخسائر تجاوزت 7 في المئة، في حين بلغت خسائر الأسهم الرئيسية في بورصة لندن حوالي 8 في المائة؛ وتكررت تلك الخسائر الكبيرة في أوروبا وآسيا إثر الخلاف بشأن تخفيض إنتاج النفط لتعزيز الأسعار، وكانت أسعار الأسهم تتراجع فعلياً بسبب المخاوف المصاحبة لانتشار فيروس كورونا عالميا، وتعرضت الأسهم في مؤشرات البورصة الرئيسية بالولايات المتحدة لهبوط حاد في مستهل عمليات التداول، وهو ما دفع الجهات التنظيمية إلى وقف التعامل لحوالي 15 دقيقة؛ بدأ الأثر السلبي لتفشي وباء كورونا في دول آسيا يتضح مع إصدار سنغافورة الأرقام الأولية للنمو الاقتصادي للربع الأول من العام؛ ويبدو أن سنغافورة تسير الآن صوب أول ركود اقتصادي تتعرض له البلاد العام منذ عقدين، كما تشير الأرقام إلى أن الاقتصاد العالمي أيضا بصدد أن يشهد تراجعا حادا، فقد حذر صندوق النقد الدولي من ركود اقتصادي عالمي أسوأ من الركود الذي شهده العالم عقب الأزمة المالية عام 2008؛ وذكرت تقارير سنغافورة إن الناتج المحلي الإجمالي انكماشاً مقدار 2.2 في المئة مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، بينما تراجع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 10.6 في المئة مقارنة بالربع الأخير من العام، ويعد ذلك أكبر تراجع سنوي يشهده الاقتصاد في سنغافورة منذ عام 2009، في منتصف الأزمة المالية العالمية.

وسوف يتأثر التبادل التجاري بسبب تراجع الإنتاج وعرقلة الإمداد وضعف الطلب العالمي، بما في ذلك الطلب على الطاقة، والترابط المالي الذي ظهر في تأثره من خلال أسوأ أداء منذ اندلاع الأزمة المالية العالية عام 2008، حيث أن شعور المستثمرين باتجاهات تأثير الفيروس على الاقتصاد العالمي وفر لهم قناعات سلبية تجاه الاوضاع الاقتصادية، ايضا تأثر قطاع السياحة والنقل، إذ انخفض معدل الرحلات، وأغلق العديد من المطارات حول العالم. إن الاعاقة التي حدثت للنشاط الاقتصادي العالمي، وتكاليف التصدي والاحتواء لفيروس كورونا، وهناك نقطة بالغة الاهمية تعتمد عليها الاسواق العالمية وهي عاملي الثقة واليقين؛ ايضا هناك دعما ماليا ضخما للاقتصاد في ألمانيا والولايات المتحدة الامريكية وسنغافورة، و منطقة اليورو التي خصصت حوالى750 مليار يورو، من خلال ضخ سيولة كبيرة لإنقاذ القطاعي المالي ودعم الاقتصاد؛ وقطعا سوف تزيد قائمة الدول التي سوف تقدم دعم لاقتصادها بعد ان يتضح أثر فيروس كورونا على مجمل اقتصاداتها.

لقد اصاب الفيروس الاقتصاد العالمي بالشلل، وهناك توقعات بتراجع النمو في الصين وحدوث انكماش في اليابان وركود في فرنسا، وإغلاقا للمناطق الصناعية في شمال إيطاليا، وخفضا طارئا لأسعار الفائدة إلى حدود الصفر في بريطانيا وأميركا، وبحسب منظمة التعاون ف أن الاقتصاد العالمي مقبل لا محالة على تراجع وانكماشا حادا، والتوقعات الأولية لهذا التراجع تشير إلى انخفاض في النمو في حدود 0.9-0.5 في المائة إلى 1.5 في المائة لهذا العام، وقد يصل إلى أدنى مستوى له منذ الأزمة المالية العالمية؛ وأشارت منظمة الأونكتاد إلى أن تباطؤ الاقتصاد العالم سيصل إلى أقل من 2 في المائة لهذا العام ويتوقع ان يكلف نحو تريليون دولار، خلافا لما كان متوقعا في أيلول/سبتمبر الماضي، أي أن العالم على عتبة ركود في الاقتصاد العالمي. بالإضافة الى ذلك سيشكل أزمة فيروس كورونا وانهيار أسعار النفط بسبب حرب الأسعار بين السعودية وروسيا أثرا سلبيا مزدوج على اقتصاد العالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق