مجتمع

الدروز وكابوس الزواج المختلط

أدهم الحسنية

بينما كنت أتحدث مع قريبتي في إحدى المناسبات الاجتماعية، سألتها عن أخيها مستفقداً حاله بعد الزواج، فأجابت أنه “منيح” متجهمة الوجه ومكسورة الخاطر غير راغبة باستكمال الحديث عنه، وذلك طبعاً بسبب زواج أخيها الدرزي بفتاة “من خارج الملّة” كما يُصطلح أن يُسمى الزواج المختلط في المجتمعات الدرزية. لم أقف عند هذا الحد فعبرت لها عن فرحتي لأنني أراهما سعيدين من خلال منشوراتهما وصورهما على وسائل التواصل الاجتماعي. كانت هذه الجملة بمثابة ضوء أخضر لها لتقلب تعابير وجهها وتتحول للدفاع عن خياره وعن أحقيته بتقرير مصيره، ودار الحديث في هذا المحور. لا يزال زواج الفتاة والشاب الدرزي من غير دين محل رفض في المجتمعات الدرزية المحافظة والمعتدلة، ولا يزال تأثير المجتمع كبيراً جداً على قرار الارتباط عند الأفراد ويذهب هذا الضغط الديني والاجتماعي إلى ما بعد زواجهم وانجابهم بعزلهم ووضعهم في خانة المنبوذين. عند حدوث حالة هروب فتاة درزية للزواج بشاب درزي أو ما يعرف “بالخطيفة”، من الشائع أن تسمع الأقارب يواسون الأهل بجملة شهيرة: “اشكروا الله أنها ذهبت مع درزي وليس مع أحد آخر لاقدر الله”. هذا الكلام ما هو سوى دليل من الدلائل على أن زواج الدروز من غير دين لا يزال من كبائر المحرمات. المجتمع الدرزي قاسٍ جداً في هذا السياق (مثله مثل العديد من المجتمعات العربية)، يضع الأفراد بين خياريين: إما الزواج من درزي أو درزية، أو العيش في عزلة اجتماعية مبعدين عن بيئتهم ومحيطهم. هذا الواقع ينعكس حتى على الأفراد غير المتدينين والمنفتحين والمتحررين من القيون الدينية نوعاً ما، إذ يجدون أنفسهم مكرهين على الذهاب إلى الحل الأسهل، ألا وهو الانفصال عمن قد تكون جمعتهم بهم قصص حب وعلاقات جميلة. نشطت في السبعينات والثمانينات حركة هجرة الشباب الدروز إلى دول الاتحاد السوفياتي للتخصص في الجامعات، بحكم وجود منح دراسية قدمتها أحزاب ناشطة في المنطقة مقربة من الاتحاد السوفياتي. فعاد الشباب بشهادات طب وهندسة، وغالباً مع زوجات من روسيا وأوكرانيا، مسيحيات بطبيعة الحال. تعيش أولئك النساء حياة طبيعية وهانئة جداً داخل جدران منازلهن فقط. وفي هذا السياق، شهدت على أحاديث متكررة ومتشابهة دارت ولا تزال تدور بين بعض النساء عن قدرة زوجة فلان وشطارة زوجة فلان الروسية أم الأوكرانية وعن مدى تفانيها كزوجة وأم، أحاديث مترافقة بدهشة واستغراب، فغالباً ما يختتم الحديث بجملة “أحسن من بنات الدروز.

هذه الواقعة تدل على الحالة النخبوية الدينية التي يعيشها بعض الدروز، والتي يتشربها الفرد من صغر سنه بمعزل عن معرفته بالدين أم جهله به. يُمارس الاضطهاد على النساء غير الدرزيات في يومياتهن الاجتماعية ولعل أكثرها فظاظة الطلب منهن الخروج من قاعات الصلاة أثناء مراسم الدفن على سبيل المثال، في حين يتوجّب شكرهن على انخراطهن ومواساتهن الآخرين بالمصائب. لا يعاني من تزوجوا أو ارتبطوا بغير الدروز فقط، بل تنتقل المعاناة إلى الفتيات الدروز من غير أم درزية، فغالباً ما يجدن صعوبة في الزواج من درزي؛ فالدروز أيضاً لا يحبون الزواج من فتاة أمها غير درزية. ومن المفارقة أن الزواج المختلط يتقبله المجتمع الدرزي فقط إذا حصل في عائلات ذات سلطة ونفوذ وغالباً إذا ما حصل في عائلات سياسية أو اقطاعية مرموقة. وقف المجتمع الدرزي مذهولاً أمام جريمة بتر العضو الذكري لرجل غير درزي لإقدامه على الزواج من فتاة درزية، وهي واقعة حصلت منذ فترة وأثارت الكثير من الجدل. لاقت هذه الحادثة استنكاراً كبيراً لوحشية الجريمة المرتكبة وفظاعتها. ولكن السؤال الذي يجب أن يُطرح: هل من قام بالفعل الجرمي مذنب وحده أم أن هذا الكم من الضغط الديني والاجتماعي هيّأ الأرضية؟ وهل هي هذه الجريمة الوحيدة التي ارتكبت؟ ألا تعتبر أفعال الاضطهاد والتمييز التي تحصل يومياً جرائم، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الآثار النفسية والتبعات الأخرى؟ بعد هذا السرد السريع، أعتقد أن كابوس الزواج “من خارج الملّة” لدى الدروز سيستمر كموروث اجتماعي وديني له خصوصياته ومفاهيمه الخاصة. كابوس يلاحق الطوائف والمذاهب كافة في العالم العربي، إلى حين تكريس الحرية الشخصية وحق الفرد بإدارة خياراته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق