مجتمع

أقباط السودان … بين الاندماج والانغلاق

رحيل حشمت فرج ود البلد

هشام عبد الملك عبد الله

شهدت مدينة امدرمان القديمة في الايام السابقة رحيل رجل قبطي أمدرماني جميل ايقونة (الفول والفلافل) بمنطقة ودنوباوي والعمدة … حشمت ود البلد الاصيل… ما زالت ابتسامته الودودة وهو في زيه المفضل (العراقي البلدي) تملأ الافق امام ناظري لقد عاش في هدا المكان (الدكان) يافعا وشابا ورجلا مرافقا لوالده فرج في مهنة الفول الذي وضع علية بصمته الخاصة ومذاقه المميز.

مرت اجيال واجيال علي هذا المكان والثابت هو الابتسامة الودودة والتعامل الراقي من هذا الرجل وقد كانت لحشمت سمات خاصه ميزته عن كثير من رفاقه من طائفة الاقباط بأمدرمان وهي الاندماج الكامل في الحياة الامدرمانية بكل صخبها دون حزر وقيود اشتهر بها الاخوة الاقباط رغم اندماجهم الظاهري في الحياة الامدرمانية، في هذا المكان يجد كثير من اهل الحي القديم راحتهم وهم يتناولون عشاءهم الاثيري من الفول والمخلل (الطرشي) … تتخللها بعض القفشات من حشمت لبعضهم بان كيف استطاع اليوم التمرد علي العشاء المنزلي … وسط كل هذا اللطف والجو المرح تتغير الامزجة للكثيرين ليعودوا الي منازلهم ليعم السكون المكان ويبدا حشمت بجمع الصحون المبعثرة علي الترابيز لختام يوم وبداية يوم جديد وهكذا تسير الحياة في امدرمان القديمة في صباح يوم صحي اهل الحي علي خبر رحيل هذا الانسان الجميل وقد فجرت وفاته قضية من قضايا المجتمع القبطي السوداني التي طالما طفت علي السطح وكان يتم احتوائها بالتقاليد والاعراف السودانية حفاظا علي النسيج الاجتماعي للمدينة القديمة … وقد كنا شهودا علي كثير من القضايا خلال عمرنا في هذه الاحياء عندما يتعلق الامر بزواج او وفاة قبطي وجدلية كونه مسلم .

يتعامل الاخوة الاقباط بحساسية مفرطة تجاه من يتزوج منهم او تتزوج منهن بمسلم او من يتحول منهم الي الديانة الاسلامية رغم ان المجتمع لم يمارس عليهم اي شكل من اشكال الضغوط بل يعيشون ويتمتعون بكل حقوقهم الدينية في وطنهم … المرحوم حشمت كان منغمس ومندمجا تماما في المجتمع منذ صغره مما جعله متوافقا نفسيا وروحيا وهو يعيش في هذا الحي الصوفي القديم

وقد اسلم بشهادة المقربين منه علي يد احد شيوخ الطرق الصوفية الكرام بل تزوج من امرأة مسلمة من احد الاحياء القريبة من ودنوباوي هذه الزيجة التي خلقت له كثير من العداوات مع محيطه القبطي وجعلته اكثر قربا واندماجا من محيطة الامدرماني … تصاعد الامر بعد وفاته حيث تجمعت اعداد كبيرة من طائفة الاقباط ومن الجانب الاخر تجمعت اعداد اكبر من اهل الحي ومن عاشرة وعرفة السنين الطوال وقد احضر الكثيرين متطلبات الغسل والتكفين علي اساس انه مسلم ولكن حدث توتر في الامر وذكرت الجموع  القبطية أن وصية المرحوم دفنه مع والدته المسيحية ولضعف اسرته الصغيرة امام الجموع القبطية المتجمهرة والمصرة  ذكروا لأهل الحي بأنه في حالة غسلة من قبلهم ودفنة في مقابر المسلمين سيفقد ابناءه حق الميراث كما سيتم تطليق اخواته وبناته وسيتم عزلهم من المجتمع القبطي في جميع التعاملات وأمام هذا الوضع المقد والمرتبك مع الخوف الواضح لأسرته الصغيرة من مالات الامور… امتثلت جموع اهل الحي لراي كبارهم من اهل العلم والمعرفة ودرء للفتن تم صلاه الغائب علي المرحوم في الجامع المجاور وتم الترحم عليه مع السير في الاجراءات القانونية لهذا المشهد الذي تكرر ويمكن ان يتكرر كثيرا في الايام والسنين القادمة …

عود على بدء [أن الاقباط جزء من النسيج الاجتماعي والثقافي والسياسي السوداني ولهم دورهم الكبير وعطاؤهم الثر في هذا الوطن في جميع المجالات ومن الصعب تحديد تاريخ معين لدخول الاقباط السودان لكن تأثيرهم في المشهد العام كان منذ بداية القرن العشرين ورغم ذلك تظل بعض القضايا مثل التزاوج والتصاهر بين الاقباط والمجتمع السوداني لم تبارح محطة الرغبات الدفينة التي تمثلت في بعض كلمات وغزل الشعراء وان كان هنالك بعض الزيجات كتب لها النجاح بعد مشقة وكفاح من الطرفين.

علي العموم لا اظن ان القضية ستنتهي بانتهاء مراسم الدفن ويمكن ان تسير بعدة مسارات مختلفة تؤدي الي نهايات اخري وتظل احكام المحاكم السودانية في قضايا الاحوال الشخصية لغير المسلمين والتي تشكل قضايا الزواج والطلاق والوفاة والارث حيز

حيزا كبيرا وتحتاج لمبضع المشرع السوداني الخبيرة لفتح ورتق ما يستجد من قضايا المجتمع والي ذلك الحين تظل طائفة الاقباط في السودان بين اندماجها الظاهري وانغلاقها المستتر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق