سلايدرمجتمع

حوريّة على محيطها الهادي

جزيرة زنجبار

د. محمد بدوي مصطفى

ارتبطت أفكاري بهذا البلد عبر معاشرة بعض من أهله الكرام، في المرّة الأولى بالنرويج عندما ذهبت من مدينة ليون التي كنت أدرس بها للعمل في موس صيد الأسماك بمدينة أوسلو، وهناك قابلت لأول مرّة في حياتي إنسان من هذه الجزيرة، شاب خلوق ومهذب، يتحدث العربية بلكنة بهيجة أعجبتني وفوق هذا وذاك كان يحفظ القرآن وله روح مسالمة لأبعد الحدود.

في المرّة الثانية كان لقاء مع مجموعة كبيرة من الموسيقيين من زنجبار جاؤوا إلى مدينة فورتسبورج الألمانية للمشاركة في أكبر مهرجان للغناء الأفريقيّ. كنت فرحا بهم لا سيما وأننا كنا نسكن نفس الفندق ونفطر سويا ونتفاكر في أمر الموسيقى والفن، الذي يحوم في بلادهم بين صمامين: الأفريقيّ والعربيّ. حدثوني عن جزيرتهم ومن قبل كنت قرأت السيرة الذاتية لأميرة عمانية تزوجت من ألماني وتسمحت وماتت بمدينة يينا الألمانية، أيضا أثرت في نفسي. وتراني أحلم منذ عهد بعيد أن أزور هذه الحورية التي ترقد على محيطها الهادئ ك “واو … على سطرها”. زنجبار كلمة عربية مركبة من كلمتي “زنج” و “بر” وتعني بر الزنوج، ومع الإقلاب يتحصل على كلمة زنجبر وإن أسهبنا في المد تكون النتيجة (زنجبار) وتدعى الجزيرة الكبرى.  ونجد أن اسم المنطقة باللغة السواحليّة هو أنغوجا وهي مركبة من كلمتين أنغو ومعناها المنسف وجاء ومعناها امتلاء.

الموقع:

زنجبار اسم يطلق على مجموعة الجزر التي تقع بالمحيط الهندي وتتبع لتنزانيا في الساحل الشرقيّ لأفريقيا وهي تبتعد عن الساحل المسمى تنجانيقا 35 كلم (25 ميلا) و118 ميلا عن جنوب ممباسا (كينيا) و29 ميلا عن شمالي العاصمة التنزانية دار السلام و750 ميلا عن مدغشقر و500 ميلا عن جزر القمر، وتتمتع زنجبار بحكم سياسيّ ذاتي واسع وتشكل فيها الجزر الرئيسية أرخبيل زنجبار وهي أنغوجا وجزيرة بمبا وتومباتو وجزيرة مافيا. ترقد على هذه المنطقة حوالي ٥٢ جزيرة منها حوالي ٢٧ تعتبر من الجزر ذات الحجم الصغير وتترامى حول جزيرة بمبا.

جزيرة زنجبار:

جزيرة زنجبار هي منطقة ذات أرض حجرية بركانية وتصلح هذه الأرض لزراعة الأرز والطلح والمهوغو والجزر والحبوب، ونجد في ربوعها حوالي مليون شجرة من أشجار القرنفل. يقسمها نهر مويرا وهو أكبر أنهار إلى قسمين. ويستمد أهل هذه الجزيرة الماء من عين نضاخة تمور شماليّ المدينة، ويُحكى أن أصل هذه العين ينبع من البر العذب الأفريقي ثم يجري ماؤها تحت البحر إلى أن يظهر في شمال الجزيرة.

ستون تاون (مدينة الحجر):

عاصمة المنطقة، وهي المدينة الصخرية وتقع على الساحل الغربي لجزيرة أنغوجا. اكتسبت المدينة اسمها من العديد من المباني الصخرية والتي تقع في الجزء القديم منها والتي يدور حولها العديد من القصص، الأساطير والحكايات، وقد بنيت في الواقع من المرجان والملاط وليس من الصخور. يوجد حاليًا ما يقارب ١٧٠٠ مبنى من هذه المباني في جزء المدينة الصخرية من مدينة زنجبار، وقد صنفت 1100 مبنىً منها على أنها ذات دلالات معمارية هامة. تحتوي هذه المنطقة الصغيرة والتي هي في الأصل شبه جزيرة وغالبًا ما تصبح جزيرة في معظم الأحيان وتبلغ مساحتها 83 كيلو متر مربع على 23 مجمعًا تجاريًا وكاتدرائيتان وأكثر من 50 مسجدًا و157 برندا أو جلسة استراحة وأكثر من 200 بابًا منحوتًا. تم تصنيف المدينة الصخرية في مدينة زنجبار على أنها “إرث عالمي” من قبل الأمم المتحدة.

جزيرة بمبا:

وهي الجزيرة الثانية ويطلق عليها اسم الجزيرة الخضراء، ويبلغ طولها قرابة 78 كلم وعرضها 23 كلم، تمتاز أرضها بخصوبتها المتناهية وتشتهر في بلاد الله الواسعة بزراعة القرنفل الذي يعد من أجود الأنواع في العالم وفيها حوالي ثلاثة ملايين شجرة قرنفل كما يزرع فيها شجر النارجيل، وهاتان الشجرتان تحتاجان لوفرة الماء فنحن نجد أن في بمبا يكثر هطول المطر مقارنة بأختها زنجبار كما تمتاز بهواء اللين اللّيّن. تتميز بأرض رملية وليست حجرية مثل أنغوجا. أما الجزر الأخرى فتقع شمال جزيرة بمبا، مثل: قوتها، أنغوما، مونغوه ويكاتي وإمبالا وغيرها.

التاريخ:

دخل الإسلام إلى هذه الجزيرة عن طريق الهجرات الإسلامية وعن طريق التجارة بين الدول العربية ودول الساحل الأفريقيّ ذلك في نهاية القرن الأول الهجري في عهد الدولة الأمويّة. وتقول بعض المصادر أن الحجاج بن يوسف الثقفي قد قام في عهد الخليفة عبد الملك بن مروان بمحاولة ضم عمان إلى الدولة الأمويّة وكان يحكم عمان آنذاك الإخوان سليمان وسعيد أبناء الجلندي. وخوفا من جيش الحجاج العرمرم الذي ارسله نحوهما خرجا أبناء الجلندي هربا إلى بر النزج شرق أفريقيا.

ويستدل بعض المؤرخون على ضوء هذه الحقيقة التاريخية على أن الوجود العربي في زنجبار سبق ظهور الإسلام لأن رحيل حاكما عمان إليها بعددهم وعتادهما لا بد أن يستند على وجود سابق له يأمنان فيه على حياتهما وأموالهما وذويهما وقبل ذلك على دينهما. وبعد هجرة حاكما عمان بدأ نفوذ عماني بيّن كثيف ما فتئ أن أزداد مع مرور الأيام حتى أصبح ولاة زنجبار وجزرها تابعين لحكم سلاطين عمان إلى أن جاء عهد السلطان سعيد بن سلطان بن الإمام احمد البوسعيدي الذي عمل على تعزيز الصلات الحضارية بالمنطقة وتوحيدها مع ساحل شرقي أفريقيا فأصبحت الدولة العمانية في عهد السيد سعيد بن سلطان (1804-1856 م) دولة ملاحيّة لا يشق لها غبار وقد امتد نفوذها من سواحل سلطنة عمان إلى جزيرة بمبا (الجزيرة الخضراء) وزنجبار على الساحل الشرقي لأفريقيا.

زنجبار في عهد السلطان سعيد:

وفي الربع الأول من القرن التاسع عشر في حوالي ١٨٢٨ زار السلطان سعيد بن سلطان زنجبار وعندما وطأت قدماه أرضها وطاب به المقام استهواه جمالها وطِيب مناخها مُقارَنةً بهجير عمان، فجعل منها مقرّه الرسمي وعاصمة بلاده، وظل يحكم منها عُمان وساحل إفريقيا، وأصبحت زنجبار منذ ذلك التاريخ عاصمة لمملكة عُمان. وبطبيعة الحال سرعان ما تعاظمت وتكثّفت هجرات العُمانيين إلى الجزيرة ملتحقين بسلطانهم.

كان استقرار السلطان سعيد بن سلطان في زنجبار متوافقًا مع بدء إحساس الغرب بأهمية موقع زنجبار الاستراتيجي في ظل قواعده البحرية التقليدية، لأنها دون أدنى شك موقع مواجهة مع ساحل أفريقيا الشرقي القريب من الهند ومن ساحل الخليج العربي. وكانت حملات الاستكشاف الجغرافية التي أجراها ولفنجستون وستانلي وغيرهما في أفريقيا سببًا وجيها ومقعنا لكي تستعر روح الغرب وخياله لتمتلئ بأطماع الاستحواذ على خيرات القارة السوداء بوجه عام وجزيرة الخير زنجبار بوجه خاص.

انتهاء الحكم العربي لزنجبار:

انتهى الحكم العربي لزنجبار يوم 12 يناير 1964 حين أطاحت الثورة بآخر حاكم عماني لها وهو السلطان جمشيد بن سعيد أحد أبناء السلطان سعيد. وقد نجحت القوات الاستعمارية البريطانية آنذاك في تفرقة اللحمة الوطنية بين العرب والهنود والأفارقة، وقاموا بمساعدة حزب أفروشيرازي الذي ساهم في تجريد العرب من الهيمنة على الجزيرة خلال ثورة زنجبار سنة ١٩٦٤. يبلغ عدد سكان زنجبار حسب آخر إحصاء حوالي مليون شخص أغلبهم من المسلمين (98%) وبقية سكان زنجبار مسيحيون وسيخ وهندوس. وأصول المسلمين بالإضافة إلى الأصل الأفريقيّ تعود إلى عمان وفارس والهند وباكستان. كان السكان يتحدثون العربية كلغة رسمية في العهد العماني والآن أصبحت لغة زنجبار هي السواحليّة رسميا بجانب اللغة الإنجليزيّة التي خلفها الاحتلال البريطاني. ويعاني المسلمون في البلاد حاليا من الفقر والتخلف رغم ارتفاع نسبتهم وكثرة كنوز أراضيهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق