مجتمع

“العبودية”… ماذا يفعل الهولنديون بماضيهم الاستعماري؟

حرَم الاستعمار الهولندي ــ حين سيطر على أجزاء واسعة من جنوب شرق آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية خلال القرن السابع عشر ــ شعوب تلك المناطق من زراعة احتياجاتهم من الغذاء، وأجبرهم على تأمين السلع التي كانت تحقّق له أرباحاً طائلة مثل البن والشاي والتوابل، كما فرض عليهم ضرائب باهظة أدّت إلى وقوع مجاعات تسبّبت بموت الآلاف وقتل أضعافهم في التمرّدات التي وقعت ضدّ سياساته.

“العبودية: عشر قصص حقيقية”، عنوان المعرض الذي افتُتح في “متحف راكيس” بـ أمستردام بداية حزيران/ يونيو الماضي ويتواصل حتى التاسع والعشرين من آب/ أغسطس المقبل، ويضيء فصولاً تنتمي إلى مرحلة مظلمة تمّ خلالها اقتياد الرقيق من سكّان المستعمرات ليعملوا في هولندا، متوقّفاً عند مقاومة المستعمَر وماذا كان مصيره.

خلال الاحتجاجات التي نظّمتها “حركة السود مهمّة” في الولايات المتحدة وأوروبا العام الماضي، قام المتظاهرون في هولندا بطلاء التماثيل التي تحتفي بالقادة الذين قاموا بأبشع المجازر عبر التاريخ خلال أكثر من مئتين وخمسين عاماً، وطالبوا أيضاً بالاعتراف بممارسات هؤلاء الوحشية وتمييزهم العنصري في المناهج الدراسية بدلاً من تسمية تلك الفترة بـ”العصر الهولندي الذهبي”.

يسعى المنظّمون إلى تفنيد المزاعم التي تدّعي بأن الاسترقاق كان محصوراً بفئة قليلة من الساسة والأثرياء، وأن تداعيات تلك السياسات لا تزال حاضرة في ذهنيّة المؤسّسة الرسمية، والتي تثبتها حالات الوفاة نتيجة تعذيب بعض المشاركين في المظاهرات الأخيرة داخل مراكز احتجاز الشرطة الهولندية.

يضمّ المعرض مخطوطاتٍ ووثائقَ ولوحات استعيرت من المتاحف الهولندية والعالمية، إلى جانب المصادر الشفوية والقصائد والموسيقى وعشر شهادات شخصية تفصّل تاريخ الاستعمار الهولندي في جنوب أفريقيا والبرازيل وسورينام ومنطقة البحر الكاريبي وغيرها.

من أبرز المعروضات لوحتان رسمهما الفنان الهولندي رامبرانت للزوجين مارتن سولمانز وأوبيان كوبيتس، وهما يرتديان أفخر الثياب المزركشة وينعمان بحياة مخملية لم يحصلا عليها إلّا بجني ثروات ضخمة من تكرير السُّكّر في مستوطنتهما بالبرازيل، والتي عمل فيها مئات العبيد على غرار مستوطنات أخرى.

كما تُعرض قطعة خشبية تمّ العثور عليها في قاع البحر جنوب هولندا، وكانت تستخدم لمعاقبة العبيد المتمرّدين من خلال وضع أرجلهم في فتحاتها الضيّقة تقييداً لحركتهم خلال نقلهم من المستعمرات إلى هولندا، إلى جانب لوحة بعنوان “احتفال الرقص في المزرعة”، رسمها غيريت سكوتن عام 1830، حيث تصوّر كيف كان العبيد يؤدّون مسرحيات راقصة وغنائية يبثّون من خلالها انتقاداتهم للسلطات الهولندية عبر التحدّث بلغاتهم الأمّ التي لم يكن يفمهما جنود الاستعمار.

يحتوي المعرض أيضاً على لوحات لا تحمل تواقيع أصحابها، ومنها واحدة تُبرز ذلك التناقض بين قسوة الأعمال التي يقوم بها عبدان يفلحان الأرض لا تسترهما إلّا قطعة ثياب في حرّ الشمس، وبين جَمال الحقول التي تُنتج محاصيل هولندا التي كانت أكبر بلد زراعي في العالم آنذاك رغم أن مساحتها تبلغ أربعين ألف كيلومتر مربع فقط.

وتوضّح الوثائق المعروضة دور “شركة الهند الشرقية” الهولندية التي تأسّست عام 1602، وقامت بحملات إبادة جماعية ضدّ السكّان الأصليين، وتحويلهم للعمل بالسخرة، إمّا بشكل مباشر أو عبر وكلاء محليين وتجّار من جنسيات أخرى. وقد بقي هذا التاريخ مسكوتاً عنه حتى العام الماضي، حين قدّم ملك هولندا فيليم ألكسندر اعتذاراً عمّا وصفه بـ”العنف المفرط” الذي ارتكبه الاستعمار الهولندي في إندونيسيا، ولا تزال المطالبات مستمرّة من قِبَل العديد من الناشطين والأكاديميين للكشف عن كافّة الجرائم المرتكبة والاعتذار للشعوب المتضرّرة ودفع التعويضات لها.

(٭ عن العربي الجديد)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق