
عجوز يتزوّج طفلة …!
زواج غير متكافئ (١٨٦٢)
الرسّام الروسي فاسيلي بوكيريف (1832 – 1890)
د . محمد بدوي مصطفى
كما نراها فهي لوحة واقعيّة من صميم المجتمع الروسيّ، يتبدّى فيها الرّسام العملاق بوكيريف خلف الطفلة التي تتواجد في مراسم زواجها من الشيخ المسنّ. رسم الرسّام بوكيريف نفسه بين الحاضرين وتتبدى في اللوحة هيئته وكأنه مهموم، مكلوم ومغتم بأمر يقلقه، نراه كاتف اليدين دون اكتراث بما يدور علانية حوله من احتفالية بيد أن جوفه يحكي مأساة حاضرة غائبة، كيف لا وهاهوذا مبعثر الأفكار يحتويه غضب عارم انكتمت أنفاسه وكأن اليدين تقولا لصاحبها: لا تطلق سراحي وإلا لصار مكروها في هذه الليلة، وأغلب الظن أنه أراد أن يغير شيئا لم تستطع إرادته تغييره: هل هي أخته، محبوبته، إنسانة أي كانت يهمه أمرها، أو ربما حبّ مغدور في حياته الشخصيّة وتبقى في السريرة أسئلة كثيرة تبحث عن جواب واستفهامات لا تحتمل التأويل!
أدار بوكيريف رأسه ألا يرى لحظة وضع العجوز لخاتم العرس على يد من نزعم أنها محبوبته، وهي أمامه واقفة كما القمر في ليلة الأربع عشر، حزينة تمدّ يد الطاعة والخنوع لرجل كهل في سنّ جدّها حتى يلبسها صمام العرس وطوق الزوجيّة إلى نهاية العمر – ذلك على حسب تقاليد الكنيسة الأرثوذكسيّة.
نرى في اللوحة هيئة العريس الكهل متواقحا على الموقف وكأنه لا شيء يهمه وأن هذا الحدث لا بد أن يقع بإرادته هو ولا أحد غيره، وكأنه يقول: أنا ربكِ الأعلى أيها الحسناء الصغيرة، غير مكترث ودون مبالاة بمن اصطف حوله من حضور في سنّ المشايخ متبخترا أمامهم بهذه الحلّة الفريدة والوردة النضرة.
أجادَ بوكيريف رسم تفاصيل فُستان الزفاف ومدّ الظلّ والنور. كما أحسنَ تفاصيل سجاد الصلاة التي وضعها الكاهن على كتفيهِ.
يعالج الفن كثير من القضايا الاجتماعيّة منها على سبيل المثال لا الحصر زواج القاصر من الشيوخ، إن كانوا شيوخ الدين أو شيوخ المال، وذلك متفش في دولنا العربيّة. وددت أن يرسم أهل الفن من التشكيليين أحداثا مثلها ليفضحوا ويعرّوا حقائق غائبة عن الوعي واللاوعي الجمعيّ في أمتنا. لقد لقي هذا العمل القبول والاستحسان من قبل النقاد وأهل الفن لأنه عالج وقتئذ أشهر المواضيع التي ارتبطت بالتمكين الدينيّ والرأسمالي في إطار الزيجات الغير متكافئة. فكانت النساء وقتئذ تباع كما البضائع والممتلكات الخاصة. لوحة بديعة خارقة للعادة أجادتها ريشة الفنان الروسيّ فاسيلي بوكيريف.